أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - تأملات في القرآن المكي 4-4















المزيد.....

تأملات في القرآن المكي 4-4


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2989 - 2010 / 4 / 28 - 10:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


السورة الثامنة التي أتت بمكة هي سورة "الأعلى"، والتي تقول: (سبّح باسم ربك الأعلى. الذي خلق فسوى. والذي قدّر فهدى. والذي أخرج المرعى. فجعله غُثاءً أحوى. سنقرئك فلا تنسى. إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهرً وما يُخفى.)
كل هذه السورة عبارة عن جُمل مسجوعة ومليئة بالادعات التي لا يمكن اثباتها. وإضافة إلى ذلك تحتوي السورة على آيات قد يُفهم منها أن الآلهة متعددة، ولس هناك إله واحد. فالآية الأولى تقول: (سبح باسم ربك الأعلى). وكما هو معروف، فإن "الأعلى" صيغة تفضيل، فنقول "عالي" ثم "أعلى منه" ثم "الأعلى" وهو فوقهم جميعاً، و "واطي" و "أوطى منه" و"الأوطى". فإذا كان ربه هو الأعلى، فلا بد أن هناك أرباب عاليون ولكن هو أعلى منهم، فلا يمكن أن يكون أعلى من لا شيء. (الذي خلق فسوى) ما هي إلا ادعاء ليس عليه من برهان، والقرآن نفسه مغرم بطلب البرهان من الآخرين، فقال على لسان اليهود: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (البقرة 111). وقال على لسان عرب مكة: (أم اتخذوا من دونه آلهةً قل هاتوا برهانكم) (الأنبياء 24). ثم يقول الله عن نفسه: (أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم) (النمل 64). ثم يقول عن الأمم يوم القيامة: (ونزعنا من كل أمةٍ شهيداً فقلنا هاتوا برهانكم) (القصص 75). فهذا الإله المغرم بطلب البرهان من الآخرين، كان يجب عليه أن يقدم لنا برهاناً بأنه هو (الذي خلق فسوى) خاصةً أنه يقول في سورة "المؤمنون": (فتبارك الله أحسن الخالقين) (14). فما دام هو أحسن الخالقين، فهناك خالقون غيره وهو أحسنهم، فكيف نعرف أنه هو الذي خلقنا ولم يخلقنا الآلهة الآخرون، خاصة أن جسم الإنسان ينقصه الكمال الهندسي الذي نتوقعه من إله هو أحسن الخالقين، أي كما يقول الإنكليز master builder. فجسم الإنسان آلة تصرف معظم الطاقة التي يحصل عليها الإنسان من الطعام في شكل حرارة تذهب هباءً. فإذا كان الله هو أحسن الخالقين فكان المتوقع منه أن يخلق آلة أكثر إتقاناً.
(والذي قدّر فهدى). فما دام هو قد قدر لكل شخص مصيره، وهدى من يحب أن يهدي، فلماذا أرسل الرسل والأنبياء؟ (والذي أخرج المرعى. فجعله غثاء أحوى). المرعى هو المكان الذي ترعى به الإبل والمواشي، ولكنه استعمل الكلمة هنا ليعني بها الحشائش التي تنمو بتلك البقعة. والحشائش عندما يتم نموها وتنضج الحبوب أو البذرات التي تحملها، يكون دورها في الحفاظ على الجنس قد اكتمل، فتموت كما تموت أسماك السالمون عندما تلد صغارها لتحل مكانها. والنباتات عندما تتم دورتها تصير صفراء لأنها لا تحتاج إلى انتاج طعامها بعد أن تمت مهمتها، وبالتالي تتوقف عن انتاج مادة الكلوروفيل التي تعطي النبات اللون الأخضر، فتصفر الأوراق، ثم تموت. ولكن مؤلف القرآن هنا يقول لنا إنه جعل تلك النباتات (غثاء أحوى). وكلمة "غثي" تعني "جفّ"، فنقول: "غثي الوادي" إذا جف. و"غثي الماء" إذا علاه الزبد من شدة اندفاع الماء. فكيف جعل مؤلف القرآن تلك الحشائش غثاء. ثم أن كلمة "أحوى" مشتقة من "الحوة" التي هي سمرة الشفة، مثل "اللُمى" الذي هو سمرة الشفة كذلك، وقد سمى العرب المرأة الي بها سُمرة بشفتها "حواء" و "لُمى". فهذه صفة جمال في المرأة، فكيف جعل مؤلف القرآن الحشائش غثاءً أحوى؟ ارتبك المفسرون في هذا الأمر، وقالوأ يجوز أن يكون "أحوى" حالاً من المرعى، ويجوز أن يكون صفة ل "غثاء" والمعنى أنه صار كذلك بعد خضرته، أي صار الحشيش أسودَ بعد خضرته. وقالوا: فجعله أسود من احتراقه وقِدمه (القرطبي). فهل منكم من رأى النبات إذا استوى صار أسودّ؟
ثم يقول (سنقرئك فلا تنسى. إلا ما شاء الله). فالله سوف يُقريء محمداً القرآن – رغم أن جبريل هو الذي طلب منه أن يقرأ – ويطلب منه ألا ينسى ما سوف يقرئه إياه، إلا ما شاء الله له أن ينسى. ونحن نعرف أن محمداً كان بشراً مثلنا، والبشر ينسى مهما كانت قوة ذاكرته، ومحمد قد نسي وسها في الصلاة عدة مرات. فإذا كان الله نفسه يشاء له أن ينسى، كيف يقول له سوف نقرئك فلا تنسى؟ وما دام الله يطلب منه ألا ينسى القرآن، لماذا لم يُنزل عليه القرآن مكتوباً في صحف كما أنزل الوصايا العشر على موسى منقوشةً على الحجر، وبذا يضمن أن القرآن لن يُحرّف أو تُنسى منه آيات؟ ونفهم من هذه الآية أن الله قد شاء لمحمد أن ينسى بعض الآيات، وبالتالي لا يمكن أن يكون القرآن ذكراً محفوظاً.
وتستمر سورة "الأعلى" (إنه يعلم الجهر وما يخفى. ونيسرك لليسرى. فذكر إن نفعت الذكرى. سيتذكر من يخشى. ويتجنبها الأشقى. الذي يصلى النار الكبرى. ثم لا يموت فيها ولا يحيى.) مرة أخرى يدعي أنه يعلم الجهر وما يخفى. وكلنا يعلم الجهر لأنه كلام مسموع، أما كونه يعلم السر، فهذا ادعاء ينقصه البرهان الذي يطلبه منا رب القرآن. (فذكر إن نفعت الذكرى). هذه الآية أتت فقط لتجاري السجع في السورة، ولا معنى لها. فإذا كانت الذكرى قد نفعت، فلا داعي للتذكير مرة أخرى. فنحن دائماً نذكر الشخص الذي لم ينتفع من القول أو الفعل الماضي، أو لم يوفِ بعهده. (سيتذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى). مرة أخرى فرض السجع على مؤلف القرآن أن يستعمل صيغة التفضيل في غير مكانها، فيقول (ويتجنبها الأشقى)، وهذا يعني أن الشقي لا يتجنب الذكرى، وإنما يتجنبها الأشقى منه. وهذا الأشقى سوف يصلى (النار الكبرى). وهذا يعني أن هناك ناراً صغرى، وناراً أكبر منها، ثم النار الكبرى التي هي أكبر من كل النيران الأخرى. ولكنا نعلم من القرآن أن جهنم واحدة ولها أسوار (وأحاط بهم سرادقها).
وهذا الأشقى الذي يصلى النار الكبرى (لا يموت فيها ولا يحيى). ونفهم من ذلك أنه في حالة غيبوبة، فلا هو حي ولا هو ميتٌ. والإنسان في حالة الغيبوبة لا يشعر بالألم. فما فائدة العذاب في جهنم إذا كان الشخص المعذب في حالة غيبوبة ولا يشعر بالألم؟
ثم تستمر السورة، فتقول: (قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى. بل يؤثرون الحياة الدنيا. والآخرة خيرٌ وأبقى. إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى). وإذا تذكرنا أن هذه السورة هي ثامن سورة "نزلت" بمكة، التي "نزل" بها ستٌ وثمانون سورة" لعرفنا أنها أتت في بداية الرسالة، والزكاة لم تفرض على المسلمين إلا في آخر سنتين من حياة محمد بالمدينة، لعرفنا أن كاتب القرآن قد سها، كما سها من قبل، وتحدث عن الزكاة والصلاة قبل أن يُفرضا بزمن طويل.
وكل هذه الادعاءات التي أتى بها رب القرآن كانت مذكورة في الصحف الأولى (صحف إبراهيم وموسى). وبما أن إبراهيم شخصية ميثولوجية لم يكن لها وجود فعلي، ولم نعثر حتى الآن على ما يدل على وجود إبراهيم في الحفريات أو في التاريخ، يتضح لنا أن مؤلف القرآن الذي يطلب البرهان، ذكر لنا صحفاً خيالية لا برهان عليها. وكل سورة "الأعلى" لم تقدم لنا شيئاً مفيداً بجانب الادعاءات التي لا يمكن الاعتماد عليها.
السورة التاسعة حسب ترتيب "النزول" هي سورة :الليل" الذي يقسم به رب القرآن، فيقول: (والليلِ إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. وما خلق الذكر والأنثى. إن سعيكم لشتى.) القرآن في أغلبه يعتمد على الظواهر الطبيعية التي لم تكن مفهومة لعرب ما قبل الإسلام، فيقسم بالليل وبالنهار إذا تجلى أو ظهر، ثم يقسم بخلقه للذكر والأنثى، ويفترض أن ما دامت هذه الأشياء موجودة، فهو إذاً خالقها. وطبعاً هذا الإفتراض ربما كان مقبولاً لمعاصري محمد في القرن السابع، أما الآن بعد أن قدم لنا العلم ما ساعدنا على فهم بدء نشأة الإنسان، فإن ادعاء القرآن الذي ينقصه الدليل، لا يقنعنا. فكل هذا القسم بالآيات الثلاث لابد له من جواب قسم، وجواب القسم الذي قدمه لنا هو (إنّ سعيكم لشتى)، أي أن أعمالكم مختلفة، منها الصالح ومنها الطالح. هل يحتاج الإله الذي خلق هذا العالم أن يقسم لنا في ثلاث آيات ليقول لنا إنّ أعمالنا مختلفة؟ كون أعمالنا مختلفة حقيقة عرفتها البشرية منذ نعومة أظفارها، فلو أن أي شخص قال لنا إن أعمالنا مختلفة، لصدقناه دون أن يقسم، فلماذا احتاج الإله الذي خلق العالم أن يقسم لنا؟ وبدل أن يقسم بعزته، يقسم بالليل والنهار.
وتستمر السورة: (فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى). مؤلف القرآن هنا يعكس الآية ويضع العربة أمام الحصان عندما يقول (فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى). فالإنسان الذي أعطى وصدق بالحسنى واتقى، لا يحتاج للتيسير لليسرى لأنه من طبعه قد أعطى وتصدق وفعل كل ما هو مستحب، فلماذا يحتاج اها لييسره لليسرى وهو كان يفعلها بطبعه؟ والعكس صحيح كذلك. فالشخص الذي بخل واستغنى وكذب بالحسنى لا يحتاج للإله لييسره للعسرى.
ثم يقول: (إنّ علينا للهدى. وإنّ لنا للآخرة والأولى. فأنذرتكم ناراً تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى). ونفهم من هذه الآيات أن رب القرآن التزم بأن عليه الهدى، ولذا كنا نتوقع منه أن يهدي جميع الناس فيؤمنوا به ويكونوا صالحين. ولكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، فأربعة أخماس أهل الأرض لا يؤمنون بإله القرآن.
(فأنذرتكم ناراً تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى). دائماً وأبداً يلجأ إله القرآن إلى التهديد والوعيد. ومع أنه قال إنّ عليه الهدى، وهو إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، قد عرف أنه سوف يفشل في هدى الناس جميعاً ولذلك أنذرهم بنار تلظى. وهذه النار لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذّب وتولى، أما الشقي فلا يصلاها.
ويستمر فيقول: (وسيتجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تُجزى. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى. ولسوف يرضى). ولأن السجع أجبر مؤلف القرآن، نجده يستعمل صيغة التفضيل في آيات عديدة في هذه السورة. فالنار التي أعدها للأشقى، سوف يتجنبها الأتقى. فالتقى لا يتجنب النار إلا إذا صار أتقى وأعطى ماله وتزكى. ثم أن إله القرآن يناقض نفسه في سورة لاحقة عندما تحدث عن جهنم، فقال: (وإنْ منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً) (مريم 71). فكل إنسان سوف يرد النار، فكيف يتجنبها الأتقى؟ محمد قال إن الذي يعطي ماله سوف يتجنب النار لأن محمداً كان فقيراً في شبابه ولذا كان كل همه جمع المال، ولهذا السبب تحدث بكثرة عن الزكاة في الآيات المكية قبل أن يفرض الزكاة على أتباعه في آخر أيامه بالمدينة. وهناك آيات عديدة في القرآن تتحدث عن المال، وتضعه قبل كل شيء آخر في الآية. فمثلاً (المال ، والبنون زينة الحياة الدنيا) (الكهف 46). (وتحبون المال حباً جماً) (الفجر 20). (وقال لهم نبيهم إنّ الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) (البقرة 247). وهذه الآية الأخيرة تعكس ما كان يجول في عقل محمد عندما أعلن نبوته وقال العرب يومها كيف يبعث الله محمداً رسولاً وفي العرب رجالٌ أشهر وأغنى منه مثل الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي. ومحمد ذكر هذا االقول في القرآن (قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم) (الزخرف 31).
والسبب في تكرار إعطاء الزكاة في السور المكية هو أن محمداً اليتيم الفقير، كان ينوي أن يجمع ضريبة من أتباعه يسميها زكاة. ولكن لما لم يتبعه في مكة غير الفقراء والمعدمين من أمثال بلال وابن مسعود وأبو ذر القفاري، اضطر إلى تأجيل جمع الزكاة، ولكنه ظل يذكرها في القرآن الذي كان قد حفظه مسبقاً. وعندما هاجر إلى المدينة ورأى الغنى النسبي للأنصار، طمع مرة أخرى في جمع ضريبة منهم، فأتى بآية تقول (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقةً) (المجادلة 12). ولما رفض الأنصار دفع تلك الضريبة، ألغى محمد الآية. ثم استعاض عن الضريبة بالخمس الذي صار يجمعه من الغزوات، وهنا نفهم سبب نزول السورة التالية (العاديات) بمكة.
فإذا نظرنا إلى سورة العاديات، وهي من السور الأوائل بمكة، وقد وضعها الإمام السيوطي رقم 13 في النزول، نرى فيها أن محمداً منذ البداية كان هدفه إن ينشر رسالته بالسيف والغزوات التي توفر له المال والسبايا. وفي هذه السورة التي أتت ربما في العام الثاني من بدء الرسالة، نجده يقول: (والعاديات ضبحا. فالمويات قدحا. فالمغيرات صبحا. فأثرن به نقعا. فوسطن به جمعا. إنّ الإنسان لربه لكنود. وإنه على ذلك لشهيد. وإنه لحب الخير لشديد. أفلا يعلم إذا بُعثر ما في القبور. وحُصل ما في الصدور. إنّ ربهم بهم يومئذٍ لخبير).
محمد هنا يتحدث عن الخيول في معركة حامية الوطيس، يعلو الغبار فيها على كل شيء، وتثير حوافر الخيل شراراً عندما تخبط على الصخور أو الأرض الصلبة. فلماذا أتى محمد بهذه السورة في بداية رسالته قبل أن يشرح للناس ما هي الرسالة ومن هو هذا الإله الذي يريد للناس أن يعبدوه. ولماذا يصف نبي جاء ليقنع الناس بالمنطق بوجود الله معارك تحتل الخيول فيها الصدارة؟ الاستنتاج الوحيد الذي يمكن الوصول إليه هو أن محمداً كانت تراوده فكرة أنه سوف يصبح مَلِكاً نبياً مثل داود وسليمان الذين كان قد سمع بهما من اليهود، وأعجب بهما وأتى بسور قرآنية طويلة عنهما. وكان يطمع أن تكون مملكته ممتدة في جميع جزيرة العرب وما جاورها، ولذلك كانت حاجته إلى الخيل والمال ظاهرة.
وبعد أن وصف تلك المعركة بخيولها، قال لنا (إنّ الإنسان لربه لكنود) أي إن الإنسان جاحد لنعمة ربه. وهذا الإنسان الكنود الجاحد يشهد بذلك على نفسه (وإنّه على ذلك لشهيد). ثم اختلطت الكلمات على محمد، فقال (وإنه لحب الخير لشديد). فالضمير هنا راجع إلى الإنسان، ولكن عندما وجد المفسرون صعوبةً في مصالحة هذه الآية مع الآية السابقة التي تقول إن الإنسان جاحد نعمة الله، قالوا إن الضمير هنا راجع إلى الله الذي يحب الخير للبشر، رقم أن قرآن مكة أغلبه تهديد ووعيد بعذاب أليم للبشر، فلا نعلم كيف يحب الله الخير للبشر. وسبب اضطراب المفسرين هو هذا الإنسان الكنود الذي يجحد نعمة الله، كيف يكون حبه للخير شديد؟ فإذا كان الإنسان شديد الحب للخير، ويود أن يكون خيراً ونافعاً للغير، لا يُعقل أن يكون جاحداً في نفس الوقت، لأن الآخرين سوف يجحدون خيره. وللخروج من هذا المأذق قال بعض المفسرين إنّ "الخير" هنا تعني المال، وبذلك يكون الإنسان محباً للمال. وكل إنسانٍ سواء أكان خيراً أو شريراً، فلابد أنه يحب المال لأنه الوسيلة الوحيدة للتعامل بين الناس.
وبعد وصف المعارك واتهام الإنسان بأنه جاحد ويحب جمع المال، قال محمد في القرآن (أفلا يعلم إذا بُعثر ما في القبور. وحُصل ما في الصدور. إنّ ربهم بهم يومئذ لخبير). فإذا كان هو ربهم الذي خلقهم وهم معترفون بذلك، فلابد أنهم كانوا يعرفون أن ربهم هذا خبير بهم، وليس هناك أي سبب يجعلهم ينتظرون حتى يوم القيامة، يوم يُبعثر ما في القبور، ويُنشر ما في الصدور، ليعلموا أن ربهم بهم خبير. الثلاث آيات الأخيرة مجرد حشو وإتمام للسجع حتى يكون طول السورة معقولاً.
فإذا تأملنا في القرآن المكي نجد أن أغلبه سور عن الظواهر الطبيعية مثل الفجر والعصر والليل والشمس والقمر والبروج والطارق، وكل هذه أسماء سور مكية زعم صاحب القرآن أن الله هو الذي أوجدها، ثم هناك سور عن الأنبياء السابقين مأخوذة من التوراة، مع بعض التحريف في الأسماء، فنجد موسى وطه وعيسى ويس ومريم ويونس وهود ويوسف ولقمان ونوح وإبراهيم، ثم سورة عن الأنبياء تكرر أسماء من ذكرهم منفردين. وهناك سور عن محمد نفسه مثل المزمل والمدثر والكوثر التى يدافع فيها عن محمد وأنه ليس أبتراً إنما عدوه هو الأبتر، وسورة المسد التي يشتم فيها أبا لهب وزوجته. وتكتمل الصورة بالقرآن المدني الذي يتحدث بإسهاب عن نساء محمد وما أحل له من الجواري والنساء اللاتي يهبن أنفسهن له، وعن تزويج محمد بزينب بنت جحش، وعن تآمر نسائه عليه ويمكن لله أن يهبه خيراً منهن إن طلقهن. وما تبقى من القرآن يتحدث عن بني إسرائيل وموسى. فهل القرآن جاء لهداية أعراب الجزيرة العربية أم جاء فقط ليقص عليهم قصص بني إسرائيل ونكاح محمد؟
واعتقد أن هذه الحلقات الأربع عن السور المكية التي أتت في بداية الرسالة لتهدي الناس إلى عبادة إله واحد، تثبت لنا أن السور لم تكن في الحقيقة مهتمة بالهدايا أو شرح الرسالة بقدر ما هي مهتمة بالتهديد والوعيد والشتم والسجع وجمع المال. وفيها ما يتعارض مع الوحدانية كما ذكرنا. ولا غرو أن أغلب أهل مكة لم يؤمنوا بهذا القرآن الذي لم يشرح لهم عن الإسلام أي شيء، وكان فيهم خطباء وكهان قد أتوا بسجع لا يقل جمالاً عن الآيات المكية.



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في رحاب القراء 3
- تأملات في القرآن المكي 3-4
- في رحاب القراء 2
- تأملات في القرآن المكي 2-4
- في رحاب القراء 1
- تأملات في القرآن المكي 1-4
- تعقيباً على تعليقات القراء على تاريخ القرآن
- تاريخ وماهية القرآن 3 – 3
- تاريخ وماهية القرآن 2 – 3
- تاريخ وماهية القرآن 1- 3
- يقولون ما لا يفعلون
- الإسلام يزرع الجهل والخزعبلات في أتباعه
- المسلمون يحتكرون كل شيء حتى الله
- خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام 3-3
- خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام 2-3
- خرافة العصر الذهبي في صدر الإسلام 1...؟
- مع القراء عن نباح الكلاب
- على نفسها جنت براقش - النباح حول المآذن
- إنجازات الحوار المتمدن
- نفاق وعاظ السلاطين


المزيد.....




- عبد الله الثاني يؤكد لبابا الفاتيكان استمرار الأردن بدوره ال ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تستهدف تل أبيب بصواريخ الأرقب
- عبد الله الثاني يؤكد لبابا الفاتيكان استمرار الأردن بدوره ال ...
- بالفيديو.. -المقاومة الإسلامية في البحرين- تضرب هدفاً إسرائي ...
- هيئات فلسطينية تعلن استشهاد رئيس قسم العظام بمستشفى الشفاء ف ...
- الجهاد الاسلامي وحماس تدينان قتل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ...
- ماذا نعرف عن -المقاومة الإسلامية في البحرين- التي أعلنت مسؤو ...
- مالي تعلن مقتل قيادي بارز في تنظيم الدولة الإسلامية
- لأول مرة.. -المقاومة الإسلامية في البحرين- تعلن ضرب هدف داخل ...
- إسرائيل تمدد المهلة الحكومية لخطة تجنيد اليهود المتزمتين


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - تأملات في القرآن المكي 4-4